خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير: سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 4 ذو القعدة 1443هـ، الموافق 3 يونيو 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م ، للدكتور خالد بدير : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م ، للدكتور خالد بدير: سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م ، للدكتور خالد بدير : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م ، للدكتور خالد بدير : سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية : كما يلي:
أولًا: الحثُّ على التنافسِ في الخيراتِ
ثانيًا: أبوابُ الخيرِ صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ
ثالثًا: هيَّا قبلَ فواتِ الأوانِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 يونيو 2022م ، للدكتور خالد بدير: سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية : كما يلي:
خطبة بعنوان: سعةُ أبوابِ الخيرِ في الرسالةِ المحمديةِ بتاريخ: 4 ذو القعدة 1443هـ – 3 يونيو 2022م
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليه وسلم. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولًا: الحثُّ على التنافسِ في الخيراتِ
لقد حثَّ الإسلامُ على التنافسِ في الخيراتِ والتسابقِ إلى فعلِ الطاعاتِ والقرباتِ، وقد تضافرتْ نصوصٌ كثيرةٌ مِن القرآنِ والسنةِ في هذ الشأنِ، قالَ تعالي:{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133)؛ وقالَ سبحانَهُ:{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الحديد: 21)؛ ومدحَ اللهُ تعالى أنبيائَهُ بهذهِ الصفةِ الحميدةِ فقالَ: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء:90) وقال بعدَ مَا مدحَ المتصفينَ بالأعمالِ الصالحةِ مِن عبادهِ الصالحين:{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (المؤمنون: 61) ، وأمرَنَا بذلكَ فقالَ: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (البقرة 148)، وقال:{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين: 26). وقال: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(الواقعة: 10 – 12)؛ قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمهُ اللهُ-: “السَّابِقُونَ في الدُّنْيا إلى الخَيْراتِ هُمْ السَّابِقُونَ يومَ القَيامةِ إلى الجنَّاتِ”.
ولقد كانَ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – مثلًا أعلَى في المسارعةِ إلى الخيرِ، فعَنْ عُقْبةَ بنِ الحارثِ رَضْي اللهُ عَنْه، قَالَ: صَلَّيتُ وراءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمدينةِ العَصْرَ، فسَلَّمَ ثمَّ قامَ مُسْرِعًا فتخَطَّى رِقابَ النَّاسِ إلى بعضِ حُجَرِ نِسَائهِ، ففَزِعَ الناسُ من سُرْعتِهِ، فخرَجَ عليهم، فرَأى أنَّهم قد عَجِبُوا مِن سُرعتِهِ، قال: «ذَكرتُ شيئًا من تِبْرٍ عندنا، فكَرِهتُ أن يحبِسَني، فأمَرْتُ بقسْمَتِهِ».[البخاري].
فقد خشَي النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- أنْ تحبسَهُ هذه الأمانةُ يومَ القيامةِ، فبادرَ إلى توزيعِهَا، والتصدقِ بهَا.
ولقد ربىَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم صحابَتَهُ الكرامَ على التنافسِ في الخيراتِ والتسابقِ إليها، فحثَّهُم على التنافسِ في العباداتِ كالأذانِ والصفِّ الأولِ والتبكيرِ إلى الصلواتِ، والحرصِ على جماعتي العشاءِ والفجرِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :” لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا”.(البخاري).
وهذا بلالٌ يسبقُ إلى الجنةِ بوضوئهِ وصلاتهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ : عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ” يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ قَالَ : مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي : أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا ، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.”( البخاري)، قال ابنُ القيمِ: وأمَّا تقدمُ بلالٍ بين يَدَي رسولِ اللهِ في الجنةِ: فلأنَّ بلالًا كان يدعُو بالأذانِ فيتقدمُ أذانُه بين يدَي رسولِ اللهِ، فتقدمَ دخولُهُ كالحاجبِ والخادمِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيًا: أبوابُ الخيرِ صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ
لقد حفلتْ السنةُ النبويةُ المطهرةُ بصورٍ ونماذجَ كثيرةٍ في التنافسِ إلى أبوابِ الخيرِ في حياةِ الصحابةِ الكرامِ، فهذا أبو بكرٍ – رضي اللهُ عنه – الرجلُ الذي ما وَجَدَ طريقًا علِمَ أنَّ فيها خيرًا وأجرًا إلاَّ سلَكَها ومشَى فيها، فحينمَا وجَّهَ النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – إلى أصحابِهِ بعضَ الأسئلةِ عن أفعالِ الخيرِ اليوميَّةِ، كان أبو بكرٍ الصديقُ هو المجيبُ، قال – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -: ” مَن أصبحَ مِنكُم اليومَ صائمًا؟ “، قال أبو بَكرٍ: أنا، قال: ” فمَن تَبِعَ مِنكم اليومَ جنازةً؟”، قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ” فمَن أَطْعَمَ منكم اليومَ مِسكينًا؟ “، قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ” فمَن عادَ مِنكُم اليومَ مريضًا؟”، قال أبو بكرٍ: أَنا، فقالَ رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -: ” ما اجْتمَعْنَ في امرئٍ إلاَّ دخَل الجَنَّةَ .”( أخرجه مسلم).
كما كان أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه له السبقُ، عندما طلبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم مِن صحابتهِ أنْ يتصدقُوا ، يقولُ عمرُ: ” فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا، فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. ” (الترمذي وصححه).
ومن هذه الصور ما رواه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ، عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَامَ فَتَسَمَّعَ قِرَاءَتَهُ، ثُمَّ رَكَعَ عَبْدُ اللَّهِ وَسَجَدَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ» ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ مِنَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» ، قَالَ: فَأَدْلَجْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِأُبَشِّرَهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا ضَرَبْتُ الْبَابَ – أَوْ قَالَ لَمَّا سَمِعَ صَوْتِي – قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ لِأُبَشِّرَكَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَدْ سَبَقَكَ أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: إِنْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ سَبَّاقٌ بِالْخَيْرَاتِ، مَا اسْتَبَقْنَا خَيْرًا قَطُّ إِلَّا سَبَقَنَا إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ » ( أحمد وصححه أحمد شاكر).
وروى أبو نُعيمٍ في «حليةِ الأولياء» أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي اللهُ تعالى عنه خرجَ في سوادِ الليلِ فرآهُ طلحةُ، فذهبَ عمرُ فدخلَ بيتًا ثم دخلَ آخرَ، فلمَّا أصبحَ طلحةُ ذهبَ إلى ذلك البيتِ فإذا بعجوزٍ عمياءَ مقعدةٍ، فقال لها: ما بالُ هذا الرجلِ يأتيكِ؟ قالتْ: إنَّهُ يتعهدُنِي منذُ كذا وكذا يأتينِي بمَا يُصلحُنِي، ويخرجُ عنِّي الأذىَ، فقالَ طلحةُ: ثكلتكَ أمُّكَ يا طلحةُ أعثراتِ عمرَ تتبعُ؟!
وهذا أبو الدحداحِ الأنصاريُّ، لما نزلَ قولُ اللهِ تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } [البقرة: 245] ؛ قالَ للرسولِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم -: وإنّ اللهَ ليريدُ منَّا القرض؟ قال عليه الصلاةُ والسلامُ: نعمْ يا أبا الدحداح، قال: أرنِي يدُكَ يا رسولَ اللهِ، فناولَهُ النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – يدَهُ، فقال أبو الدحداح: إنِّي قد أقرضتُ ربِّي عزَّ وجلَّ حائِطِي (أي بستاني، وكان فيه 600 نخلة) وأمُّ الدحداحِ فيه وعيالُهَا، فناداهَا: يا أمَّ الدحداحِ، قالتْ: لبيكَ، قال: أخرجِي مِن الحائطِ: يعني: أخرجِي مِن البستانِ فقد أقرضتُهُ ربِّي عزَّ وجلَّ. وفي روايةٍ: أنَّ امرأتَهُ لما سمعتهُ يناديهَا عمدتْ إلى صبيانِهَا تخرجُ التمرَ مِن أفواهِهِم، وتنفضُ ما في أكمامِهِم. تريدُ بفعلِهَا هذا الأجرَ كاملاً غيرَ منقوصٍ مِن اللهِ. لذلك كانت النتيجةُ لهذه المسارعةِ أنْ قالَ النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم -: “كم مِن عذقٍ رداحٍ (أي: مثمرٍ وممتلئٍ) في الجنةِ لأبِي الدحداحِ” [أحمد والطبراني].
وهذا أبو طلحةَ الأنصاريُّ جاء إلى النبيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم -، فقالَ يا رسولَ اللهِ: يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في كتابهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: 92]، وإنَّ أحبَّ أموالِي إليَّ بَيْرُحاء، وكانت حديقةً يدخلُهَا النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم -، ويستظلُّ بها، ويشربُ مِن مائِهَا، فهي إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وإلى رسولهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم -، أرجُو برَّهَا وذخرَهَا عندَ اللهِ، فضعُهِا يا رسولُ اللهِ حيثُ أراكَ اللهُ، فقال – صلَّى اللهُ عليه وسلم -: بخٍ يا أبًا طلحة، ذاك مالٌ رابحٌ، ذاك مالٌ رابحٌ، قبلناهُ منك، ورددناهُ عليكَ، فاجعلْهُ في الأقربين، فتصدقَ بهِ أبو طلحةَ على ذوي رحمِهِ.”[البخاري ومسلم].
وهكذا كان حرصُ الصحابةِ الكرامِ على التنافسِ والتسابقِ إلى أبوابِ الخيرِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: هيَّا قبلَ فواتِ الأوانِ
أيُّها الإخوةُ المؤمنون: عليكُم بالمسارعةِ والتسابقِ إلى أبوابِ الخيرِ قبلَ أنْ تندمُوا ولا ينفعُ الندمُ، قالَ تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ؛ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (المؤمنون: 99 ؛100).وقال سبحانَهُ وتعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (المنافقون: 10)؛ رُوِيَ أن الإمامَ “الحسنَ البصريَّ” وقفَ عندَ شفير قبرٍ بعدَ دفنِ صاحبهِ، ثم التفتَ إلى رجلٍ كان بجانبهِ فقالَ: أتراهُ لو يرجعُ للدنيا ماذا سيفعلُ؟! قال الرجلُ: يستغفرُ ويصلِّي ويتزودُ مِن الخيرِ. فقال الإمامُ: هو فاتتهُ فلا تفتكَ أنت!! وأنا أقولُ لكُم: قد فاتتْ الأمواتُ، والفرصةُ أمامَكُم فلا تفتْكُم أنتم، فماذا أنتُم فاعلون؟!
أخي المسلمُ: بادرْ بالخيراتِ، سارعْ إلى بناءِ أسرتِكَ ووطنِكَ ومجتمعِكَ بالأعمالِ الخيريةِ النافعةِ، فإذا سمِعتَ بمشروعٍ خيريٍ أو عملٍ فيه صدقةٌ جاريةٌ, فحاولْ أنْ تساهمَ فيهِ ولو بالقليلِ، ولا تجعلْ الخيرَ يفوتُكَ دونَ أنْ تشاركَ، فعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ:” إِذَا فُتِحَ لأَحَدِكُمْ بَابُ خَيْرٍ، فَلْيُسْرِعْ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عَنْهُ ” ( أبو نعيم في الحلية), وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:” إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ”.( ابن ماجة والألباني في السلسلة الصحيحة).
فسارعْ في الخيراتِ كمَا سارعَ أسلافُكَ، وبادرْ إلى الطاعاتِ كمَا بادَرُوا، وقدمْ لنفسِكَ كمًا قدمُوا، { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المزمل: 20].
واعلمُوا أنَّ طرقَ الخيرِ والنفعِ كثيرةٌ متاحةٌ للجميعِ، ولكنْ أينَ السالكون؟ وأين السائرون؟ أبوابُ البرِّ متعددةٌ، ولكنْ أينَ المسارعونَ إليها؟ وأين الطارقون لها؟ وليستْ الأعمالُ الصالحةُ هي: الصلاةُ، والزكاةُ، والصيامُ، والحجُّ، فقط، وإنَّمَا هي كثيرةٌ متعددةٌ: كإصلاحِ ذاتِ البينِ، وقضاءِ الحوائجِ، وإغاثةِ الملهوفِ، وكفالةِ اليتيمِ، وغيرِ ذلك، وقد بيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلم لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رضي اللهُ عنه أبوابَ الخيرِ فقالَ: ” أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْلَمُونْ) [السجدة:16-17] “.(الترمذي وقال: حديث حسن صحيح). ويقولُ أيضًا صلَّى اللهُ عليه وسلم معددًا أبوابَ الخيرِ في الرسالةِ المحمديةِ: «إِنَّ أَبُوَابَ الْخَيْرِ لَكَثِيرَةٌ: التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهِيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ، وَتَهْدِى الأَعْمَي، وَتُدِلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَتِهِ، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ مَعَ اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَحْمِلُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ، فَهَذَا كُلُّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ».(ابن حبان وصححه الأرنؤوط).
واعلمْ أنَّ حبَّ الخيرِ والمسارعةَ إليهِ سببٌ لقبولِ الدعاءِ، قالَ تعالَى: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ؛ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 89 ؛ 90).لذلك كان مِن دعاءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم :” اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ .” (أخرجه أحمد والتِّرمِذي) .
فبادرْ – أيُّها الحبيبُ – إلى الخيراتِ، وسارعْ إلى الصالحاتِ، تنلْ البركاتِ، وتُستجابُ منك الدعواتُ، وتفرجُ لك الكرباتُ، وتنلْ المرضاتِ مِن ربِّ البريات .
نسألُ اللهَ أنْ يجعلَنَا مفاتيحَ لكلِّ أبوابِ الخيرِ، مغاليقَ لكلِّ أبوابِ الشرِّ.
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف